العودة للخلف

معتدة من طلاق بائن تزوجت في العدة ودخل بها، فما الحكم؟

تاريخ النشر: 12 / 07 / 2025
: 15

السؤال:

امرأة طلقها زوجها الطلقة الثالثة، ولسبب تعاطيها بعض ما يمنع الحمل تأخر حيضها ستة أشهر بعد الطلاق، وظنت المرأة أنها انتهت عدتها فخُطبت وتزوجت، ثم حاضت عند زوجها الجديد بعد أن زُفّت إليه، ثلاث حيضات، وقد دخل بها، والزوج الجديد لا يعلم بالحال ويظن أنها أتمت عدتها . فما الحكم الآن؟ جزاكم الله خيرا.

الجواب:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه . وبعد:

فالمعتدة سواء من وفاة أو طلاق أو من فسخ يحرم العقد عليها بالنص والإجماع، أما النص فقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ﴾ [البقرة: 235] ، وأما الإجماع فقد حكاه ابن قدامة (المغني 11/237).

والمطلقة البائن التي تحيض: عدتها ثلاثة قروء بالنص والإجماع. ولو تباعد ما بين الحيضتين.

فهذه المرأة التي تأخر حيضها ثم نكحت وحاضت بعد ذلك أخطأت خطأ عظيما، ولا يسلم وليها من الخطأ وذلك لكثرة الجهل في النساء فكان الواجب تعاهد المرأة بالسؤال وبيان الحكم الشرعي لها.

ولأن ذلك قد مضى ووقعوا في أمر جديد فلسنا نتكلم فيما كان الواجب عليها.

وإنما نبين حكم الشرع فيما قد وقعوا فيه، فأقول:

أولا: العقد الذي وقع باطل ويجب التفريق بينهما، وترجع المرأة إلى بيت أبيها.

ثانيا: يجب عليها أن تعتد للأول عند جمهور العلماء وهو قول مالك والشافعي وأحمد. وبه أفتى عمر وعلي رضي الله عنهما، قال ابن قدامة: وهذا قول سيّدين من الخلفاء لم يعرف لهما في الصحابة مخالف.

ثالثا: إذا انتهت من عدة الأول فعليها أن تعتد لوطء الثاني، واختُلف في مقدار ما تعتد هنا فقيل: تتداخل العدتان، وقيل: تعتد عدة مطلقة وهو المشهور في مذهب مالك والشافعي وأحمد، وقيل: بل تستبرئ بحيضة وهو قول في مذهب أحمد واختاره شيخُ الإسلام.

وفي أثر عمر وعلي رضي الله عنهما أنها تعتد من وطء الثاني، وهذا حكم ثابت لا شك فيه، ولكن قال ابن تيمية: إنَّ الاستبراء يُسمّى عدة، وقال:  لفظ (العدة) في كلام السلف يقال على القروء الثلاثة وعلى الاستبراء بحيضة . مجموع الفتاوى 32 / 111 ، 349 . اختياراته 9/203 .

وهذا الأخير أقرب لأنها ليست زوجة وإنما أوجب الله العدة بالقروء على الزوجة المطلقة. والوارد عن الصحابة قد عُرف تأويله.

رابعا: لا تَحل بوطء الثاني لزوجها الأول لأنه وطء في نكاح باطل كما لو كان زواج تحليل.

خامسا: المروي عن عمر رضي الله عنه أنها لا تباح للذي عقد عليها في العدة أبدًا وذهب إليه مالك. والمروي عن علي رضي الله عنه أنها تُباح له وهو مذهب الشافعي وعن أحمد كالقولين والمذهب أنها تحل له (الإنصاف 24/118)، واستُدل للتحريم المؤبد بأنه قول عمر وبقاعدة (من استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه).

والأرجح والله أعلم: أنها تحل له إذا رغب فيها فهو من الخطاب فله أن يتزوجها بعقد ومهر بعد استبرائها منه بحيضة. لعموم أدلة الإباحة كقوله: ﴿وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَآءَ ذَٰلِكُمۡ. وإذا اختلف الصحابة رضي الله عنهم فالحكَم الدليل، وعندي أنَّ المروي عن عمر رضي الله عنه يُحمل على العالم العامد، أما الجاهل فلا، وأما القاعدة فضعيفة كما بيناه فيما كتبناه في القواعد الفقهية (البحوث النافعة 1/480) ولأن مَن زنى بامرأة لم تحرم عليه إذا تابا وقد استعجل وَطْأها ولم تحرم عليه على التأبيد فكذا هنا، كما ذكره ابن قدامة رحمه الله.

هذا وقد قال الشافعي وغيرُه: إنَّ له أن يَعقد عليها في مدة استبرائها منه، واستحسنه ابنُ قدامة، لكن الأقرب أنه ينتظر حتى تستبرئ بحيضة لدخولها في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَعۡزِمُواْ عُقۡدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبۡلُغَ ٱلۡكِتَٰبُ أَجَلَهُۥۚ﴾. قال ابن قدامة: وهذا في أي عدة كانت.

وحاصل الجواب: أنه يجب التفريق بينهما، فترجع إلى بيت وليها، وتعتد بثلاث حيضات للأول تحيض وتطهر ثم تحيض وتطهر ثم تحيض وتطهر. ثم تستبرئ عن الوطء من الثاني فتحيض وتطهر. ثمّ تحل للثاني بعقد من ولي وشهود ومهر. والله تعالى أعلم.

تحميل بصيغة PDF
جميع الحقوق محفوظة © موقع الشيخ ابي محمد عبدالله بن لمح الخولاني - 2025
تم نسخ الدعاء بنجاح